بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تقدست عن الأشباه ذاته ، ودلت عليه آياتُه
ومخلوقاتُه , وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، فصلى
الله وملائكتُه والصالحون من خلقهِ عليه كما وحّد اللهَ وعرَّف بهِ ودعا إليه .... وبعد
إنّ المبادئ الإسلامية بمفاهيمها الأساسيّة ومناهجها
التربويّة، تشكل شخصيّة متميّزة، لها سماتها، وتوجهاتها، وغاياتها الخاصّة، التي تميّزها بوضوح تام عن غيرها من الشخصيات الأخرى .
* صفات الشخصية
المسلمة :
المسلم شخصية إنسانية تشترك مع باقي البشر بمشتركات عديدة، وذلك بحكم الأصل الواحد وهو آدم , والخالق الواحد رغم تباين المعتقدات , والعيش
على كوكبٍ واحد , وبمقارنة الشخصية الإسلامية بغيرها من الشخصيّات نستطيع أن نكتشف
في هذه الشخصية الصفات التالية:
الشخصية الإسلامية بُنيت على أساس العقيدة والتوحيد :
فالمسلم يسعى في هذه الدنيا لمرضاة الله استعداداً للقائه يوم القيامة، و بالتالي
فهو يعمل في الدنيا ليفوز في الآخرة ،فإنّ
من الصفات المهمة للمسلم اتخاذه الطريق اللازم ليصل لهدفه الآخروي .
الشخصية الإسلامية نموذج رائع للسلوك الإنساني والخلق
الكريم , فهي أساس الرسالة المحمدية التي جاء نبينا محمد e
ليختمها ويتممها بقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: [ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ] ( رواه البزار وأحمد) .
الشخصية الإسلامية شخصية عقلية: أي أن
العقل يسيطر فيها على كلّ تصرّفات الفرد، وبواعثه، ودوافعه، وعواطفه، وغرائزه،
وطريقة تفكيره , فللعقل مقام القيادة
والتوجيه في الشخصية الإسلامية، إذ يظهر أثره واضحاً في مجال السلوك والعلوم
والمعارف .
الشخصية الإسلامية شخصية إيجابية : تعيش
في حركة فكرية ونفسية وجسدية بنّاءة، بعيدة عن السلوك التخريبي الهدّام، رافضة
للتحجر والجمود، لا ترضى بالسلوك
الانسحابي , لأنّ الإسلام يربي الإنسان المسلم على الروح الإيجابية التي تؤهله
للعطاء، وتنمي فيه
القدرة على
الإنتاج والإبداع , والتنافس في الخيرات: قال تعالى: { وَلِكُلٍّ وجهة هُوَ مُوَلِّيها
فاستبقُوا الخَيْراتِ } ( سورة البقرة / 148) .
الشخصية الإسلامية شخصية
حريصة على طلب العلم الشرعي وتطبيقه عقيدةً وأخلاقًا وعبادة ،
وذلك بأن تَجعل الكتاب والسنّة
مقياسًا لمفاهيمها
وميولها ، مُجتنبة للنهي مطبقة للأوامر، متدبرة لما جــاء في
كتــاب الله تعالى وسنة رسوله r من عظات وعبر .
الشخصية الإسلامية شخصية تتوجه باستمرار
نحو الكمال : فهي مثل أعلى، وقدوة رائدة في الحياة، تتمثل في تأسي الإنسان المسلم
لقيم الخير والكمال البشري التي تحققت
مجسدةً ـ في القدوة الفذة ـ الرسول (e) ...
قال تعالى:{ لَقَد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمنْ كانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ
كَثِيراً } ( سورة الأحزاب / 21) .
الشخصية الإسلامية شخصية متزنة : لا
يطغى على موقفها الانفعال، ولا يسيطر عليها التفكير المادي، ولا الانحراف الفكري ,
فالإنسان المسلم يستمتع بلذات
الحياة، ويستعد لعالم الجزاء، ويعمل، ويفكر، وينتج, مستلهماً تلك الروح من وحي
القرآن الكريم
وتوجيهه ,
قال تعالى: { وابتغ فيما آتاكَ اللهُ الدّارَ الآخرةَ ولا تنسَ نصيبكَ مِنَ الدُّنيا
وأحسِن كما أحسنَ الله إليكَ ولا تَبغ الفَسادَ في
الأرضِ إنَّ
اللهَ لا يُحِبُّ المفسدِينَ } ( سورة القصص / 77) .
الشخصية الإسلامية شخصية تتمتع بحس
إنساني يقظ، وضمير متفتّح يميل دوماً إلى التعاطف والرحمة، وينفر من القسوة
والشدّة
فالمسلم سريع الإحساس ، رقيق القلب،متفتّح
العاطفة لذلك فهو سريع التفاعل والتعاون في مجالات البرّ والإحسان إلى الآخرين .
الشخصية الإسلامية شخصية قيادية همتها
عالية : فالمسلم دوماً يشعر أنّ على عاتقه مسؤولية كُبرى، ودوراً تاريخياً مهماً،
يجب عليه
أن ينهض به ويؤديه، فهو يؤمن دوماً بأنه
داعيةً خير، ورائد إصلاح، ومتمم لمسيرة الأنبياء في تبليغ رسالة الإيمان، وإنقاذ
البشرية .
* دور الشخصية
المسلمة وأثرها الايجابي :
يحتاج المجتمع المسلم دائماً إلى شخصيات إسلامية
متوازنة ذات قيمة فعلية تأخذ بيده وتؤثر فيه وتقوده نحو الأمان ، وهذه الشخصيات
الإسلامية لن تؤدي دورها الريادي في المجتمع إلا إذا مارسته بشكل صحيح وواضح يسير
وفق ما رسم الله ورسوله r ..
من أهم
وأعظم أدوار الشخصية الإسلامية نشر الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة وهدى ، لأنها ضرورة
من أعظم الضرورات على الإطلاق والعموم في هذه الحياة ، فهي لا تقل أهمية عن حاجة
الإنسان إلى الطعام والشراب،إذ تتوقف عليها سعادة البشرية ونيل مكانتها وريادتها،
بل يتوقف على تركها ذل الأبد وحزن الدهر..قال تعالى: {
وَلْتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ( آل عمران 104 ). فالدعوة إلى الله لها الأثر الكبير في تثبيت وترسيخ التقوى في
القلوب حتى تظهر على جوارح المسلم في أقواله وأفعاله وصفاته , مما يؤدي إلى إيمان
أقوى، وعلم أعمق، وعقل أرجح، وخشية من الله أكبر . فإذا صحت العقيدة وقوي الإيمان،
قُوِم السلوك وحَسُنَت الأخلاق , وبذلك تسمو هذه النفس إلى حب الفضائل الحميدة
وترك الخصال الذميمة .
يعتبر
نشر العلم الشرعي من أبرز أدوار الشخصية المسلمة ومعلم من أهم معالمها ، لما له من
أثر عظيم في تهذيب النفس وتزكيتها وتطهير القلب وتوثيق الصلة بالله تعالى والتمييز
بين الحلال و الحرام في معاملاتها وعلاقاتها بالآخرين.
من أعظم
أدوار الشخصية المسلمة الصبر والثبات على الحق والتمسك به بقوة رغم معوقات الشهوات والشبهات،مما يؤدي إلى البعد عن أهل المعاصي
والبدع،والابتعاد عن مجالستهم،وعدم تكثير سوادهم ,قال تعالى:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي
أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(سورة الزخرف(43 )
من أبرز
أدوار الشخصية المسلمة أنها لا تدعو إلى الفرقة أو التكفير بل تنبذ الإرهاب
والتخريب والقتل فهي تعيش بالطريقة التي يرسمها ويخطط أبعادها الإسلام، لأنّ
الحياة في نظر الإسلام (عمل، وبناء، وعطاء) ,مما يؤدي إلى اجتماع المسلمين
وتوحيد صفهم وجمع كلمتهم ومن ثم يتحقق الأمن الفكري والسلوكي والنفسي , فالأمن مطلب
لوجود الحياة , وفي ظله يستطيع الأفراد أن يحيوا ويطلقوا العنان لقدراتهم ومواهبهم
, فلا عملٌ يُثمر ولا حضارة تزدهر ولا رخاء يسود إلا في
ظل الأمن والاستقرار .
الشخصية
المسلمة لها دور عظيم في الالتزام بمنهج الوسطية في التعامل مع الآخرين،فالمسلم يُشبع
كل جانب، ويعطي كل شيء حقّه، لا يفرّط في شيء، ولا يتعدّى الحدّ المعقول في
استعمال أي شيء , فيتعامل بمنهج الاعتدال و الوسطية فلا إفراط ولا تفريط ، وهذا
يجعل المجتمع أكثر تماسكاً وتعاوناً على البر والتقوى وفعل الخير والاتحاد
والتضامن بين أفراده ، والابتعاد عن النزاع والتمزق والتناحر والانقسام .
الشخصية المسلمة التي تتولى منصباً
قيادياً لها دور كبير في تطبيق العدل بين الموظفين وحسن التوجيه لهم فمتى كان
القائد منبر للتوجيه والدعوة وإحياء السنن وقول الحق وقمع البدع كان أكثر تأثيرًا
ووصولاً للقلوب والأسماع,مما يؤدي إلى حب العطاء والقدرة على الإبداع والتميز ورفع
مستوى الإنتاجية من خلال تحمل الأمانة والاقتداء بالرئيس وشحذ الهمة للعمل ،فالعدل
يذكي روح الطموح في العاملين ، مما يدفعهم للبذل والعطاء ، وانتهاز الفرص,فمتى علت
الهمة وسمت الغاية حُشدت لها الطاقات وسُخرت لها الإمكانيات لمزيد من الخير
والإنتاج .
من أكبر أدوار الشخصية المسلمة
تربية الأبناء على التمسك بأخلاق الرسول e من التسامح والعفو والإصلاح بين الناس والظن الحسن ,ونبذ الغضب وإثارة
الآخرين والظلم والبطش والتعدي على حقوق الغير,حتى ينشأ جيل يتسم بشخصية مسلمة
متزنة لها أثر كبير على القلوب والنفوس تتميز بالخلق الحسن في سائر أحوالها،مما
يمكنها من نشر الإسلام في كل مكان وزمان ومن ثم تُصبح قدوة صالحة يُقتدى بها .
من أهم أدوار الشخصية المسلمة الحرص
على استثمار الوقت فيما ينفع من أمور
الدنيا والآخرة ، فحفظ الوقت يؤدي إلى النجاح في كل نواحي الحياة ، والبعد عن أسباب
الإخفاق والفشل .
* التقليد وأثره في تقويض الشخصية المسلمة :
نعيش اليوم في زمن كثرت فيه المؤثرات
والمتغيرات السلبية، من محاكاةٍ للكفار وتشبهً لثقافتهم وتقليداً لعاداتهم ، ولذا
فإن التقليد الأعمى بات خطراً يهدد المجتمعات ، تبعاً لتلك المؤثرات ، وتزداد زاوية
التقليد خطراً حينما تجد نفسًا تُكرر ما تراه وتسمعه من قبيح الأقوال ورديء
الأفعال دون تمعن أو تفكير ... متجاهلةً لحديث المصطفى e حينما قال : " من تشبه
بقوم فهو منهم " أخرجه أبو داود وصححه الألباني ..
فالمتأمل و الناظر فيما يجري ويحصل في هذا الزمان من تقليد في
الملبس والسمت والعادات وإتباع للموضات الدخيلة ليتذكر قول نبينا الكريم e عندما قال :"لتتبعن سنن من كان قبلكم ، حذو القذة بالقذة ، حتى لو
دخلوا جحر ضب لدخلتموه؛ قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: فمن؟" ( أخرجه البخاري ) وفي هذا الحديث وصف دقيق معجز
لما آل إليه حال كثير من أبناء الأمة من تبعية للغرب والسير على خطاهم في كثير من
شؤون الحياة ، فالتقليد الأعمى يتصف بالخفاء فلا تحس به الأمة المغزوة ولا تستعد
لصده وهنا تكمن خطورته .. فهو داء عضال يفتك بالأمم ويُذهب شخصيتها الإسلامية
ويزيل معاني الأصالة والقوة فيها مما يُقيض الشخصية المسلمة حتى تقع فريسة
لأعدائها وتصبح مريضة الفكر والإحساس تحب ما يريده لها عدوها أن تحب وتكره ما يريد
منها أن تكرهه ، فالشباب المسلم الذي يقلد الغرب في أحواله الظاهرة هو شباب حصيلته
العلمية قليلة نتيجة بعده عن جادة الإسلام ، فيتأثر قلبه بمبادئ الغرب وقيمه وربما
عقيدته .
بينما نجد أن الشخصية
المسلمة المتمسكة بهذا الدين تمنح صاحبها القوة والبصيرة فلا يقع فريسة لأي عدو
متربص به ، بل نجدها متميزة فخورةً بقيمها بعيدةً عن التشبه والتأثر بالغرب , تسعى
دائماً إلى إنقاذ الشباب من التقليد بالتركيز على سلبياته ومخاطره على عقيدة الفرد
, وتحاول بث معنى العزة والتميز للمسلم ولمبادئه وقيمه وثوابته فمتى ثبتت هذه
القيم في القلب صار آمنا من السقوط في هوة التقليد الأعمى , فالشخصية المسلمة أشد
عملاً بقول المصطفى e :( لا يكن أحدكم
إمعة, يقول إن أحسن الناس أحسنت, وإن أساووا أسأت, ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا , وان أساووا أن
تجتنبوا إساءتهم ) ( أخرجه الترمذي ) .... فالصورة
الحسنة تجذب الإنسان فيحاكيها وكما قال الشاعر:
فتشبهوا إن لم
تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فــــلاح
لذا فنحن بحاجة ماسة لربط الأبناء بشخصيات
إسلامية جيدة لتحاكيها كأسلوب من أساليب التربية
التي قد تختصر لنا الكثير من الزمن والجهد، ولكن لا بد من الدقة والحذر في
إتباع هذا الأسلوب ، بحيث لا تكون المسألة مسألة تشجيع للتقليد وإنما
تشجيع لمضمون معين قد لا تستطيع أن تعمقه إلا من خلال التقليد ، ثم تتولى
بعد ذلك تعميق مفردات القيمة في نفوس الناشئة لتتحول إلى قناعات
وأفكار وقيم شخصية تستطيع من خلالها حمايتهم من القيم السلبية ، فالشخصية
الإسلامية أقوى من التحديات، تعتز بدينها تتمسك بعقيدتها،وأخلاقها،وتدعو إليها،
فتتنزه عن التقليد الأعمى، والمتابعة الخرقاء .
وختاماً :
إن مجتمعاتنا الإسلامية اليوم تواجه مفاهيم خاطئة وتيارات فاسدة , فهي في
أمس الحاجة إلى تلك الشخصيات الإسلامية الرائعة التي تستطيع إقناع العقول ,
وتزويدها بالمفاهيم الصائبة لمواجهة تلك التيارات الفاسدة التي تنهش في القلوب
والعقول ، فالجيل الصاعد بحاجة إلى من يدرك اهتماماته ويعي احتياجاته الدقيقة ,
ويعمل على تثبيت المفاهيم الأصيلة في شخصيته لتكون له – بإذن الله- درعاً واقياً
أمام المتغيرات السلبية ، فلا يمكن أن تتم التربية الواعية من خلال الأوامر و النواهي المباشرة
فقط .
سائلين
الله أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين, وأن يرينا في المسلمين ما تقر به
الأعين, وتسعد به الأنفس
كما
نسأله سبحانه الثبات على دينه، والتمسك بشرعه ،إنه ولي ذلك والقادر عليه ...
وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق